كفل الدستور لكافة أفراد المجتمع حق اللجوء إلى القضاء بقصد المطالبة بحق أو تعويض عن أي ضرر. وما إن تتوافر شروط إقامة الدعوى فإن القاضي يصدر حكمه فيها ويَمنح أحد أطراف الدعوى سواء المدعي أو المدعى عليه، الحماية القضائية1.والحكم الصادر في الدعوى تكون له حجية فيما بين الخصوم وبالنسبة إلى ذات الحق محلاً وسبباً2. وقد قنن المشرع القطري حجية الأحكام في المادة 300 من القانون رقم (13) لسنة 1990 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية القطري3.

وبموجب المادة سالفة الذكر، فإنه يُشترط لاكتساب الأحكام الحجية أن تتوافر ثلاثة شروط، تتمثل في أن يكون الحكم صادر من جهة قضائية، وأن يكون الحكم قطعي أي فصل في موضوع الحق، وأخيراً أن تكون المحكمة التي أصدرته ذات ولاية، فبمجرد أن تتوافر الشروط المذكورة سلفاً فإن الحكم يحوز الحجية4. ويترتب على كسب الحكم الحجية أثر مهم وهو أنه يمتنع على أيٍ من أطراف الخصومة إقامة دعوى أخرى ضد الآخر بخصوص ذات الحق والسبب. وفي حال تمت إقامة دعوى جديدة فإنه يحق للطرف الآخر الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وذلك الحق قرره القانون وفق ما جاء في صريح نص المادة 74 من قانون المرافعات القطري5.

وليتم القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فإنه يلزم أن تتحقق الشروط التالية، وهي أن يكون أطراف الخصوم في الدعوى الجديدة هم أنفسهم الخصوم في الدعوى السابقة التي صدر فيها حكم نهائي وقطعي في موضوع الحق، وأن يكون سبب ومحل الدعوى الجديدة هما محل وسبب الدعوى السابقة6. وفي هذا المقال، سنلقي الضوء على شرط اتحاد الخصوم في الدعويين السابقة والجديدة، حتى يتسنى الدفع بحجية الأمر المقضي لسبق الفصل فيها.

وكما سلف، فإن أحد الشروط الواجب توافرها ليكون للحكم حجية الأمر المقضي أن يتوافر في الحق المدعى به اتحاد الخصوم7. فالحكم له حجية بين الخصوم أنفسهم دون أن يمتد هذا الأثر إلى الغير، وكما له الحجية بين الخصوم بنفس صفاتهم مما يعني اتحادهم قانوناً، وأخيراً الحكم تكون له حجية بين خلف الخصوم، سواء أكان الخلف عاماً أو خاصاً8. وهذا المبدأ مسلم به لدى الفقه دون حاجة للنص عليه في القانون، إلا أن بعض التشريعات نصت عليه، مثل التشريع الإيطالي الذي نص على ذلك صراحةً في المادة 2909 من القانون المدني الإيطالي9. وفي هذا الشأن استقر القضاء في جمهورية مصر العربية على أن العبرة في اتحاد الخصوم هو باتحادهم حقيقةً أو حكماً في الدعويين، أي الدعوى السابقة والجديدة10.

وصفوة القول هي أن الحكم الصادر في الدعوى يحوز حجية الأمر المقضي وبالتالي لا يجوز إقامة دعوى جديدة بذات الحق والسبب من ذات أطراف الدعوى السابقة أو خلفائهم، سواء أكانوا خلفاً عاماً أو خاصاً، باعتبار إن الحجية ممتدة لهم. وإن حصل وتمت إقامة دعوى جديدة بذات الموضوع ولذات السبب فإنه يمكن للطرف المدعى عليه أو خلفه التمسك بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، كما أن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها لتعلقه بالنظام العام حتى وإن لم يتمسك بهذا الدفع أطراف الخصومة.

وفي حكم حديث تبنى القضاء القطري نفس المبادئ سالفة الذكر وذلك في حكم حديث صادر في إحدى الدعاوى المعروضة على محكمة الأسرة، حيث قُضي بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها تأسيسًا على ما ورد في أسبابه من أن الحجية تمتد إلى خلفاء الخصوم سواء كان الخلف خلفاً عاماً أو خلفاً خاصاً وأن هذا المبدأ مسلم به دون حاجة إلى نص. ويلاحظ أن الخلافة عامة أو خاصة لا ترد على الحجية وحدها وإنما ترد على المركز القانوني الذي تتعلق به في جانبيه الإيجابي والسلبي للدعوى التي صدر فيها الحكم ونتيجة لهذا فإن الحجية تكون في مواجهة الخلفاء في الدعوى محل الخصومة (راجع المبسوط في القانون المدني علمًا وعملًا الجزء الأول 2017 ص356). وأنه وفقًا لذلك فإن الحكم ليس حجة على الخصوم وحدهم بل أيضًا على خلف الخصم عاماً كان أو خاصاً فلا يحق لهم طرح النزاع على المحكمة من جديد بموجب دعوى أخرى. وحيث تبين للمحكمة في الحكم سالف الذكر أن رافعة الدعوى السابقة هي والدة المدعية في الدعوى اللاحقة، والمقامة بطلب اثبات طلاق المدعى عليها الأولى، وهي ذات المدعى عليها في الدعويين. وحيث بت للمحكمة أن الدعوى السابقة قد قُضي فيها برفضها وأن الحكم قد تأيد بموجب الحكم الاستئنافي رقم 92/2012، وكانت الدعوى اللاحقة مقامة بذات الطلبات ولكن هذه المرة مقامة من ابنة المدعية في الدعوى السابقة، فقد انتهت المحكمة إلى القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها للأسباب سالفة الذكر.

Footnotes

1. والي، د.فتحي، المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الجزء الأول، دار النهضة العربية، شارع عبدالخالق ثروت، القاهرة، 2017، ص51.

2. السنهوري، عبدالرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، الإثبات – أثار الالتزام، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ص 632.

3. تنص المادة 300 من قانون المرافعات على أن: "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق. ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية. ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً. وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها".

4. الزمان، يوسف أحمد، التعليق على قانون المرافعات (دراسة مقارنة القطري-الكويتي-المصري)، الزمان للمحاماة والخدمات القانونية، الطبعة الأولى، 2007، ص 238 وما بعدها.

5. تنص المادة 74 من قانون المرافعات على أن:" الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها".

6. الزمان، يوسف أحمد، مرجع سابق، ص240 وما بعدها.

7. السنهوري، عبدالرزاق، مرجع سابق، ص 675.

8. المرجع السابق، ص 676 ومابعدها.

9. والي، د.فتحي، مرجع سابق، ص356.

10. الزمان، يوسف أحمد، مرجع سابق، ص 241.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.