مع تزايد حركة التشييد والمشروعات الإنشائية سيما الضخمة منها، والتي تتضمن في بعض الأحيان جنسيات مختلفة فيما بين مجلس إدارتها والعاملين بها، تم إستحداث عقود "الفيديك" الدولية، بقصد سد الفجوة التشريعية بخصوص أي تعامل أو نزاع محتمل فيما بين أطراف عقد الإنشاء، حيث تنظم عقود"الفيديك" شروط عقد مقاولات الندسة المدنية و العلاقات والإلتزامات المتقابلة فيما بين المقاول والمهندس ورب العمل تنظيما يتوافق مع طبيعة تلك الإلتزامات، مما يعد تسهيلا للتعامل بين أطراف العملية الإنشائية لتمضي في نسق متجانس يساعد علي إنجاز المشروعات الإنشائية بشكل سلس ومرتب، وترتب عقود الفيديك إلتزامات على عاتق رب العمل والمقاول وكذلك المهندس المعماري المسئول عن المشروع، نوجزها فيما يلي:

أولا: إلتزامات صاحب العمل في عقود الفيديك:

يقع على عاتق صاحب العمل بإعتباره مالك الموقع بعض الإلتزامات التي من شأنها تمكين المقاول من أداء عمله الموكل  إليه في العقد، وكذا يلتزم ببعض الأمور الأخرى اللازمة لضمان إستمرارية العمل داخل المنشأة، ومن تلك الإلتزامات:

1) تقديم العون والمساعدة للمقاول:

 يلتزم رب العمل بتقديم العون والمساعدة للمقاول إذا طلب منه ذلك، ومن صور تلك المساعدات توفير نسخ لقوانين الدولة المتعلقة بالعقد، وتقديم المساعدة في إستخراج التراخيص المتعلقة بأعمال التشييد والبناء، وتسهيل الإجراءات للمواد والآلات التي يستوردها المقاول، ويكون صاحب العمل مسئولا عن التأكد من أن أفراده ومستخدمي المقاولين الآخرين العاملين لديه في الموقع يتعاونون مع المقاول، ويقوم صاحب العمل بإمداد المقاول بالبيانات الخاصة بالطبيعة الجغرافية والظواهر البيئية للموقع.

2) تمكين صاحب العمل للمقاول من دخول الموقع:

 يلتزم رب العمل ولأغراض تسيير العمل داخل المشروع بالسماح للمقاول بالدخول إلى الموقع، وكذلك يلتزم بتمكينه من حيازة أجزاء الموقع التي يحتاجها لإتمام التشييد والبناء وذلك في الأوقات التي حددت في ملحق العقد، وإذا لم يتم تحديد ميعاد معين لتسليم الموقع، فإن صاحب العمل يلتزم بأن يعطي للمقاول حق الدخول إلى الموقع وحيازته أثناء الأوقات التي تمكن الأخير من العمل وفقا للعقد.

3)الإلتزام المالي والوفاء بمستحقات المقاول:

 يلتزم صاحب العمل بالعديد من الإلتزامات المالية تجاه المقاول، والتي من أهمها الإلتزام بدفع القيمة المحددة في العقد، ولا يقوم صاحب العمل بدفع كامل القيمة المنصوص عليها في العقد دفعة واحدة، وإنما تقسم تلك القيمة على دفعات.

ويلتزم صاحب العمل بأن يقدم إلى المقاول دفعة مقدمة لأغراض التجهيز، متى تسلم صاحب العمل الكفالة والتي تكون قيمتها مساوية لقيمة تلك الدفعة، وتكون صادرة من كيان يقبله صاحب العمل، ويتعين أن يتم الدفع للمقاول خلال 42 يوم من تاريخ إصدار كتاب القبول أو خلال 21 يوم من تاريخ تسلم صاحب العمل لضمان الأداء.

ويقوم بعد ذلك المقاول بتقديم كشف للمطالبة بالدفع المرحلية إلى المهندس في نهاية كل شهر يبين فيه تفاصيل المبالغ التي يعتقد المقاول أنها تستحق له، مع إرفاق المستندات التي تؤيد إدعائه، ويتعين على صاحب العمل دفع المبالغ التي تم التصديق عليها خلال 56 يوما من تاريخ تسلم المهندس لكشف المطالبة بالدفعة والوثائق المؤيدة لذلك، ويسري ذات الأمر على الدفعة الختامية.

ثانيا: إلتزامات المهندس أثناء تنفيذ عقد "الفيديك":

عرفت عقود "الفيديك" المهندس المعماري بأنه: "الشخص المعين من قبل رب العمل ليعمل مهندسا وفقا لأغراض العقد"، ويتضح من هذا التعريف أن "الفيديك" قد وضع تعريفا عاما للمهندس يمكن من خلاله أن ينسحب على جميع المهندسين الذين يمكن أن يستخدمهم صاحب العمل لإتمام الأعمال المختلفة اللازمة لإقامة المبنى أو المنشأة، ومن ثم يندرج تحت التعريف السابق المهندس المعماري والمدني وغيرهم من التخصصات الهندسية.

ويقع على عاتق المهندس العديد من الأمور المهنية التي يمارسها على إستقلال، كإصدار شهادات الدفع أو البت، ومنح تمديد الوقت اللازم لاستكمال الأعمال، ويضطلع المهندس بالواجبات التالية:

1)الإلتزام بحسن النية أثناء تنفيذ العقد:

 ويعد أحد الإلتزامات التي تقع على عاتق المهندس تلك التي تتمثل في ضرورة قيامه بتنفيذ العقد بحسن نية، وهذا المبدأ وإن كان أحد المبادئ الرئيسية التي يتعين الإلتزام بها أثناء تنفيذ العقد، غير أن عقود "الفيديك" قد أرادت التأكيد عليه، فضلاً عن أنها قد أوردت بعض الأمور التي يتجسد فيها ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ومن ذلك:

أ- أن يلتزم المهندس بتنفيذ الواجبات المحددة له في العقد.

ب- أن يكون للمهندس مباشرة السلطات المحددة له في التعاقد، أو تلك التي تستفاد ضمنيا من العقد إلا إذا كان مطلوبا من المهندس طبقا لشروط تعيينه من قبل رب العمل أن يحصل على موافقة الأخير قبل مباشرة هذه السلطات، فيلزم في تلك الحالة حصول المهندس على تلك الموافقة.

ج- ليس للمهندس إعفاء المقاول من أي التزامات عقدية، إلا إذا نص العقد صراحة على ذلك.

2)الإلتزام بالحيادية:

ففضلا عن إلتزام المهندس بحسن النية في تنفيذه للعقد المبرم بينه وبين صاحب العمل، أضاف الاتحاد الدولي للمهندسين الإستشاريين إلتزاما ثانيا على المهندس، وهو الإلتزام بالحيادية في كل ما يتعلق بأعمال التشييد والبناء الخاصة بصاحب العمل.

كما يجوز للمهندس أن يسند إلى أي من المساعدين القيام ببعض الأعمال الخاصة بالتشييد والبناء، مثل الرقابة على تنفيذ الأعمال الإنشائية والتأكد من جودة المواد المستخدمة في البناء وإعطاء الموافقة عليها، وكذا يكون له أن يفوض واحد أو أكثر من هؤلاء المساعدين في بعض الصلاحيات المخولة له بمقتضى العقد، كما يكون له في أي وقت إلغاء هذا الإسناد أو ذلك التفويض، وتعد القرارات التي تصدر من المساعدين وكأنها صادرة من المهندس نفسه، متى تمت في حدود التفويض، إلا أنه يجب ملاحظة أن تعيين المساعدين أو تخويلهم بعض الصلاحيات منوطا بتوافر شرطين أساسيين:

الشرط الأول:

ومقتضاه ضرورة توافر الكفاءة في المساعدين، وكذا الصلاحية لأداء الواجبات المسندة إليهم، فضلا عن ضرورة إلمامهم بلغة الإتصال والتي يتم تحديدها سلفا في ملحق عرض المناقصة.

الشرط الثاني:

أن يكون قرار المهندس بتعيين مساعديه أو تفويضهم مكتوبا، ولا يكتفي بذلك وإنما يشترط أن يسلم أطراف العقد نسخة مكتوبة من ذلك القرار.

وتجدر الإشارة إلى أن تفويض المهندس في بعض صلاحياته لمساعديه لا يعني تقويض سلطته في التعديل على قرارات مساعديه التي صدرت بناء على التفويض، حيث يبقى للمهندس سلطة تعديل قرار المساعد سواء بالموافقة أم بالرفض، أو إصدار تعليمات بتصحيح أوضاع معينة متى وجد بنفسه أو بناء على إعتراض مقدم إليه من المقاول وجود ثمة خطأ شاب قرار المساعد.

3)سلطة إصدار التعليمات إلى المقاول:

للمهندس إصدار كافة التعليمات أو المخططات الإضافية أو المعدلة إلى المقاول، متى كانت لازمة لتنفيذ أعمال التشييد والبناء أو إصلاح ما قد يشوبها من عيوب، ويشترط في التعليمات التي يصدرها المهندس أو أحد مساعديه المفوضين رسميا بعض الشروط وهي:

1-أن تصدر في صورة خطية مكتوبة.

2-ألا تخالف التعليمات أي بند من بنود العقد.

ثالثا: إلتزامات المقاول في عقود "الفيديك":

المقصود بالمقاول هو الشخص الذي تم إختياره وتسميته في كتاب إرساء العطاء بعد موافقة صاحب العمل عليه، ويشمل كذلك خلفاؤه القانونيين، ويختلف دور المهندس عن دور المقاول إختلافًا كبيرا، فالمهندس يقوم أساسا بعمل فكرى أو ذهني وهو تصميم البناء، في حين أن المقاول يحترف عملا ذا طابع مادي يتمثل في تنفيذ البناء، وكما هو الشأن في كافة العقود التبادلية، يكون للمقاول بعض الحقوق وعليه بعض الإلتزامات التي يرتبها عقده المبرم مع صاحب المشروع، كما أن المقاول يعد أكثر الأطراف تحملا بالإلتزامات، بإعتباره المعني بأعمال التشييد والبناء منذ بدايتها وحتى تمام إنتهائها، ودائما هو الطرف الذي يتلقى التعليمات والأوامر سواء من صاحب العمل أو من المهندس، ومن أهم تلك الإلتزامات ما يلي:

1) تقديم كافة المتطلبات الضرورية و اللازمة لبدء المشروع:

يحتاج مشروع التشييد والبناء في بدايته إلى بعض المتطلبات التي من شأنها المساعدة في بدء العمل في الموقع، والتي تعطي كذلك دلالة على مدى جدية المقاول تجاه تنفيذ العقد.

 ومن تلك المتطلبات:

 أ-إعداد المقاول للتصميمات المنصوص عليها في العقد.

 ب-أن يقدم التجهيزات الآلية والوثائق المحددة في العقد.

ج-أن يوفر ما يلزمه من مستخدمين لإنجاز مراحل العقد.

د-أن يوفر كافة القوى العاملة والآلات والمواد، سواء كانت ذو طبيعة دائمة أو مؤقتة، واللازمة لتصميم وتنفيذ وإنهاء  الأشغال بما في ذلك معالجة العيوب.

ه-تحمل المسئولية عن كفاية وإستقرار وسلامة جميع عمليات الموقع، كما يتعين على المقاول أن يقدم للمهندس تفاصيل وترتيبات وأساليب تنفيذ الأعمال التي يقترح المقاول إتباعها في إتمام مراحل العقد إذا طلب منه ذلك.

2)تقديم ضمان الأداء (ضمان التنفيذ):

حيث رغبة في تحقيق أكبر قدر ممكن من الإستقرار في العقد المبرم بين المقاول وصاحب العمل، وضمانا لتسيير أعمال التشييد والبناء على الوجه الأكمل، ألزم "الفيديك" المقاول بأن يقدم لصاحب العمل ضمانا لأدائه للعقد ولإلتزامه به ما يسمى ب"كفالة التنفيذ"، ويلتزم المقاول بأن يؤدي من ماله الخاص كفالة أو ضمانا لأدائه للعمل، وعادة يأخذ ذلك الضمان شكل "خطاب إعتماد" أو "خطاب ضمان" صادر من أحد البنوك في دولة معينة ويتعين أن يوافق عليهما صاحب العمل، ويتم إستصدار ذلك الضمان خلال 28 يوما من تسلم المقاول كتاب القبول، ويشترط في كفالة التنفيذ أن تظل سارية حتى تنفيذ المقاول للأشغال كاملة دون عيوب، فإن وجدت أية عيوب كان المقاول ملتزما بإصلاحها، ويشترط كذلك أن تكون الكفالة بنفس القيمة وكذا نوع العملة المحددين في العقد الأساسي.

3) الإلتزام بالإعلام والتبصير لصاحب العمل:

حيث يقع على عاتق المقاول التزام عقدي بإعلام صاحب العمل وتبصيره بالجوانب الفنية لعمليات البناء، سواء من حيث المخاطر المترتبة على عمليات البناء أو جودة ونوعية المواد المستعملة، وهذا الإلتزام يقع أيضا بشكل مماثل على عاتق المهندس المعماري فيما يتعلق بوضع الرسوم والتصميمات الهندسية لعمليات البناء.

وتجدر الإشارة الى أن المقاول لا يستطيع أن يدفع مسئوليته بالالتزام بالإعلام والتبصير بأن يدعي بمباشرته مهمامه تحت إشراف المهندس المعماري ورقابته، وذلك لأنه فني متخصص في مجال البناء ويتمتع بالإستقلال المهني في تنفيذ ما يناط به، سواء في مواجهة صاحب العمل أو في مواجهة المهندس، ويرجع ذلك أيضا الى أن خبرة المقاول تمكنه من إكتشاف ما يشوب التصميمات والرسوم الهندسية من عيوب يجعلها غير ملا ئمة لعملية البناء.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.